السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
حب الرسول صلى الله عليه و سلم
بسم الله ارحمان الرحيم الحمد
لله الكريم المنان، و افضل الصلاة و السلام على افضل الخلق كمالا و اعظمهم
في الاحسان، سيدا محمد وآله و أصحابه، و سلمو تابعيهم في كل آن.أما بعد:
فإن
محبة النبي صلى الله عليه و سلم طريق عظيم للتحقق بالفضائل و الكمالات، و
إن محبته صلى الله عليه و سلم من الإيمان، بل لو لا هو صلى الله عليه و
سلم لما عرف الإيمان.
و لقد حقق هذه المحبة ونفذها تنفيذا عمليا ،الجيل الأول من الصحابة الذي هو خير الأجيال.
اللهم حققنا بمقام المحبة الذي قال فيه سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم "المرء مع من أحب" آمين
موجبات المحبة
من
عرف رسول الله صلى الله عليه و سلم عرف حقيقة ذلك، بل تذوقها تذوقا، فقد
اكتملت الخصال الموجبة لمحبته صلى الله عليه و سلم ما لا يوجد في مخلوق، و
لقد لخصها أئمة العلم و العرفان و المحبة في جانبين عظيمين: الإتصاف بصفات
الكمال ، و الجود بالعطايا و النوال.
أما الحب لصفات الكمال: فإن
المحب يحب غيره لصورته الجميلة، أو صوته الرخيم أو شيء من الجمال المحبب
للنفس، صلى الله عليه و سلم الخلق كلهم في الجمال الخلق و الصورة، كما
استفاض و تيقن عن الصحابة رضي الله عنهم . وقد فاق النبي
"كان رسول الله صلى الله عليه و سلم احسن الناس وجها و احسنهم خلقا" .
فمهما
احببت جمال الخلق لزمك أن تحب رسول الله صلى الله عليه و سلم اكثر منه و
من نفسك،لأنه أعظم و أفخم و أعلى جمالا من كل جمال.
و كذلك العاقل يحب غيره لحسن أخلاقه و حميد سيرته ،فنبينا محمد صلى الله عليه و سلم اكمل العالم خلقا، و حسبك شهادة الله تعالى له
وإنك لعلى خلق عظيم. القلم . فقوله : لعلى خلق" لتعلم أنه ما من خلق حسن ،
و كمال صفة و نفس إلا و هو صلى الله عليه و سلم فوقه، لأن "على " تدل على
الإستعلاء، فلا خلق إلا و هو أعلى منه ، ولا كمال في إنسان إلا و هو فوقه
صلى الله عليه و سلم
و أما الحب لجزيل النوال : فإن الإنسان يحب
مانحه في الدنيا خيرا مرة أو مرتين و هو مهما كثر فان زائل ، كما يحب من
خلصه من أمر مهلك أو مضر ينقضي و لا يدوم ، فكيف بهذا النبي الكريم و
الرسول العظيم، الجامع لمحسن الأخلاق و التكريم، النانح لك جوامع المكارم
و الفضل العظيم العميم. أخرجنا الله به من ظلمات الكفر إلى نورالإيمان، و
خلصنا به نار الجهل، إلى جنات اليقين و العرفان.
محبة الله و رسوله فوق كل شيء:
و لهذا قال الله تعالى: النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم : الاحزاب 6.
و
قال عز من قائل: قل إن كان ءاباؤكم و ابناؤكم وأخوانكم وأزواجكم و عشيرتكم
و اموال اقترفتموها و تجارة تخشون كسادها و مساكن ترضونها أحب إليكم من
الله و رسوله و جهاد في سبيله فتربصوا حتى ياتي الله بامره و الله لا يهدي
القوم الفاسقين" التوبة .24.
و قد جمعت الآية الكريمة أنواع المحبة،
و اوجبت ان تكون محبة الله و رسوله راجحة على أي منها، بل عليها جميعا
مجتمعة إلى بعضها.
و للمحبة أنواع، اشهرها:
1- محبة الإشفاق و الرحمة ، وهي محبة الأب لابنه.
2- محبة التعظيم و الإجلال ، و هي محبة الابن أباه، و التلميذ أستاذه.
3- محبة الغريزة ، محبة الرجل امرأته.
4- محبة النصح و الإنسانية : محبة الناس اجمعين.
5-
محبة الأنانية، محبة الإنسان نفسه، و هي أقوى أنواع الحب، و هي محبة جبلت
عليها النفس، كما جبلت على غيرها، لكن حب الأنانية أقوى منها.
دور
التفكير: و قد اكد الله تعالى و رسوله صلى الله عليه و سلم أن تكون محبة
الله و رسوله أعظم في قلب المؤمن من جميع أنواع المحبة ، و اعلى من كل
مراتب المحبة ، و سبيل ذلك التفكر في المحبوبات، و النظر في حب رسول الله
صلى الله عليه وسلم .و هنا لابد أن يغلب العقل بيقينه بفضائل رسول الله
صلى الله عليه وسلم غريزة الأنانية ، ولا يبقي لها أثرا.
فالتفكير
يوصلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنك إذا تأملت علمت إن سبب
بقاء نفسك البقاء الأبدي في السرور و النعيم السرمدي إنما هو رسول الله
صلى الله عليه وسلم، و هذا النفع هو أعظم وجوه الخير و الانتفاع لك ، فوجب
لذلك و استحق أن يكون حظه من محبتك أوفر من غيره وأعظم من نفسك التي بين
جنبيك، لأن النفع و الخير الذي حصوله يثير المحبة حاصل لك منه صلى الله
عليه وسلم أكثر من غيره و أكثر من نفسك أنت. كما انه صلى الله عليه وسلم
أعظم الناس كمالا و فضائل، فهو مجمع أعلى الكمالات و الفضائل و البركات و
الخيرات صلى الله عليه وسلم.
أخرج البخاري و مسلم عن أنس بن مالك رضي
الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة
الإيمان –أن يكون الله و رسوله أحب اليه مما سواه ، و ان يحب المرء لا
يحبه إلا لله، و ان يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار.".
تحقيق
المحبة : و اعلم ايها المؤمن أن المحبة ليست دعوى ، و لا تمنيات،إنما
تستدل عليها بفعل المأمورات و اجتناب المنهيات، و هي بهذا الاعتبار فرض و
سنة.
المحبة الفرض :هي التي تبعث النفس على الواجبات، و اجتناب
المعاصي، و الرضا بما قدره الله تعالى ، فمن وقع في معصية بأن ترك واجبا
او فع محرما فلتقصيره للمحبة ، حيث قدم هوى نفسه ، و ذلك من الغفلة عياذا
بالله تعالى .
و المحبة السنة : أن يواضب على النوافل و يجتنب الوقوع في الشبهات .
و
الحاصل أن المؤمن المحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتلقى شيئا من
المأمورات و المنهيات إلا من سراجه صلى الله عليه وسلم و لا يسلك إلا
طريقته ، و يكون على غاية الرضا بما شرعه ، و يتخلق بأخلاقه ، و لا يجد في
نفسه أي ضيق مما حكم به ، فمن جاهد نفسه على ذلك وجد حلاوة الإيمان.
و الحاصل أن لا حياة للقلب محمودة سعيدة إلا بمحبة الله و محبة رسوله، و
لا عيش إلا عيش المحبين الذين قرت أعينهم بحبيبهم، و سكنت إليه نفوسهم ، و
اطمأنت به قلوبهم، و استأنسوا بقربه و تنعموا بحبه.
علامات و مؤثرات في المحبة :
حبك
للنبي صلى الله عليه وسلم جوهر نير في القلب بنور عظيم، و لا بد أن يشرق
بأنوار تدل عليه ، كما أنها و هي آثاره هي أيضا مؤثرات تؤثر في ازدياد
الحب، و نمائه حتى تبلغ درجة المحبوبية عند الله تعالى و رسوله صلى الله
عليه وسلم ، فإ، الشأن ليس أن تحب الله تعالى و رسوله فحسب و لكن الشأن و
النجاح و الفلاح و الفوز العظيم أن يحبك الله و رسوله صلى الله عليه وسلم،
اللهم اجعلنا منهم يارب.
و بإيجاز مهمات هذه العلامات المشيرة إلى
الحب، و العوامل المؤثرة في الحب، و فقني و إياكم للحفاظ عليها في مراتبها
كاملة :
1- اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم :
و
الاتباع أعظم علامات الحب ، و أقوى المؤثرات في نمو الحب، أما أنه علامة
فظاهر أن المحب يوافق محبوبه، و إلا كان كاذبا ، و أما أنه مؤثر في الحب
فلأنه به يحس المؤمن جمال ما جاء به لرسول الله صلى الله عليه وسلم و
كماله إحساسا عمليا، وفيزيد حبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيزداد
قربا و حبا عند الله و عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. و قد جعل الله
اتباع نبيه صلى الله عليه وسلم اختبارا لصدق دعوى المحبة لله ، قال تعالى
: " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله". ال عمران -31.
2- حب القرآن الكريم:
القرآن
كلام الله به نبوة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، هدى به الخلق إلى
الحق، و تخلق به كل التخلق، حتى صار اعظم الخلق في الخلق " وإنك لعلى خلق
عظيم " فاختبر محبة القرآن من قلبك ، و التلذذ بسماعه، و هل هي أعظم من
التذاذ أصحاب الملاهي و الغناء بسماعهم ، فإنه من المعلوم من أحب محبوبا
كان كلامه و حديثه أحب شيء اليه، فكيف بالقرآن و هو كلام الله و قد سماه
الله روحا " و كذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا" ، فهو روح الأرواح ، كما
محبوبة و هو غاية مطلوبه .
3-محبة سنته و قراءة حديثه:
وذلك من لوازم الحب أن يوافق المحب محبوبه، فحب النبي صلى الله عليه وسلم
يوجب إتباع سنته أي طريقته ، ومن كان غير قادرعلى تحصيلها فليسأل عالما
بها ، كذلك كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هو كلام الحبيب خير
البشر، و هو خير كلام قاله بشر : جمال معنى و لطف مبنى ، فإن لم تبلغ درجة
ذلك فساتمع إليه و احضر مجلسا يقرا فيه حديثه صلى الله عليه وسلم ، و انظر
أين أنت من هذه الحلقات و المجالس.
4- محبة سيرته و شمائله: السيرة و
الشمائل تعرف انك بشخص النبي عليه أفضل الصلاة و أتم التسليم، و كلما
ازددت به علما ازددت به حبا ، لأنك تزداد بكماله عرفانا ، فترزق كمالا في
محبته صلى الله عليه وسلم و تستولي روحانيته الشريفة على القلب فيجعله
الله تعالى لك أستاذا و معلما و شيخا و قدوة ، كما جعله نبيه و رسوله و
هاديه.
5- الإكثار من ذكره و تعظيمه كلما ذكر صلى الله عليه و سلم:
وقد قال بعضهم : [ المحبة دوام ذكر المحبوب] ، و أجمع الحكماء أن من أحب شيئا أكثر من ذكره.
و يقترن ذلك بتعظيم النبي صلى الله عليه و سلم بذكره بعنوان السيادة مثلا
و بغظهار الخشوع و الخضوع مع ذكر اسمه الشريف أو سماعه ، و ذلك وارد عن
كثير من الصحابة و من بعدهم.
ومن ذلك سيدنا أنس بن مالك ، قال يوما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فأرعد و ارعدت فرائسه.
6-كثرة الشوق الى لقائه صلى الله عليه و سلم:
كل حبيب يشتاق إلى حبيبه، فكيف محب النبي صلى الله عليه و سلم، يحب رؤياه
في منامه، و لقائه بذاته في الآخرة ،حتى قالوا : المحبة الشوق إلى المحبوب.
7- الإكثار من الصلاة و السلام عليه صلى الله عليه و سلم:
و هذا من لوازم الإكثار من ذكره و تعظيمه و الشوق إليه صلى الله عليه و
سلم و حسبنا قول الله تعالى :[ إنّ الله و ملائكَتهُ يصلّون على النّبيّ
ياأيها الذين آمنوا صلّوا عليه و سلِّموا تسليما] الأحزاب :56.
و قال صلى الله عليه و سلم : *من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً*.
و قال صلى الله عليه و سلم : * غن جبريل عليه السلام قال لي : ألا أُبشِّرك.
إن الله عز و جل يقول : من صلى عليك صلّيت عليه ، ومن سلّم عليك سلّمت عليه *. أخرجه الحاكم و صححه على شرطه و وافقه الذهبي.
و قال صلى الله عليه و سلم :* إنّ أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة *.صححه ابن حبان.
و للمحبين خاصة هذا الحديث عن انس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم:*من صلّى علي بلغتني صلاته ، و صلّيت عليه،و كتب له سوى ذلك
عشر حسنات*. رواه الطبراني في الأوسط بإسنادلا بأس به ، و له شاهد بإسناد
حسن عن ابن مسعود رضي الله عنه.
فصارت بالصلاة عليه صلى الله عليه و
سلم بمنزلة مناجاة للنبي صلى الله عليه و سلم: أنت تقول : اللهم صلّ على
سيدنا محمد و سلّم ، و هو صلى الله عليه و سلم يجيبك: صلى الله عليك يا
فلان .
اللهم عطف علينا قلبه الشريف صلى الله عليه و سلم و اجزه عنا
خير ما جزيت نبيا عن أمته.
مقتبس من كتيب -حب الرسول صلى الله عليه وآله و صحبه و سلم من الإيمان
لخادم القرآن وعلومه و الحديث و علومه نورالدين عترحفظه الله.
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته